الحراك الشبابي الفلسطيني واجبٌ وطني بقلم : صلاح صبحية
ما جرى في الذكرى الرابعة والأربعين لنكسة حزيران على جبهة الجولان وعلى حاجز قلنديا وفي بيت حانون من حراك شبابي فلسطيني تأكيداً لحق عودة الشعب العربي الفلسطيني إلى أرضه المحتلة لهو الدليل القاطع على أنّ قضية اللاجئين وعودتهم إلى أرضهم المحتلة ستبقى المحور الأساسي للقضية الفلسطينية ، وبالتالي فإنّ أي قفز عن قضية اللاجئين وأي تجاهل أو إلغاء لحق العودة لن يكون الجسر الذي يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض الفلسطينية المحتلة في حزيران عام 1967 ، فالشهداء الأربعة والعشرون الذين سقطوا على جبهة الجولان لم يضحوا بأرواحهم من أجل أن يضحي قيام الدولة الفلسطينية بحق عودتهم ، أو من أجل أن تصبح قضية اللاجئين مؤجلة إلى مئات السنين ، فاتفاق أوسلو لم يأت لنا بدولة ولم يضع قضية اللاجئين على طاولة المفاوضات ، بل أنّ قضية اللاجئين التي اعتبرها اتفاق أوسلو من قضايا الحل النهائي ودون تحديد لتاريخ مفروض لهذا الحل النهائي أصبحت بحكم المشطوبة أمريكياً وأوربياً وصهيونياً وذلك من خلال القبول بحل الدولتين الذي يتسابق إليه الفلسطينيون وهم لا يدركون مخاطره الأساسية والتي أكد عليها كلا من أوباما ونتنياهو في خطبهم الأخيرة ، هذه الخطب التي أكدت على يهودية الدولة للصهاينة بكل صراحة ووضوح ودون أي لبس أو تأويل إلا لدى الجانب الفلسطيني الذي ما زال يجري وراء سراب المفاوضات ويديه خاوية من كل أدوات الضغط على الجانب الأمريكي الصهيوني ومتجاهلاً الحراك الشبابي الفلسطيني ، هذا الشباب الفلسطيني الذي يحمل على عاتقه عبئاً ثقيلاً ، فهو يريد إنهاء الاحتلال ويريد بناء الدولة كما يريد حق العودة ، وكل ذلك أمام قيادة فلسطينية كهلة تناست إنها خططت ونظمت وفجرت الثورة وهي في ريعان الشباب ، فما جرى في الذكرى الرابعة والأربعين لنكسة حزيران هو دق جدار الخزان الفلسطيني من قبل الشباب الفلسطيني من أجل أن تسمعه القيادة الفلسطينية وتجلس مع ذاتها لتعيد حساباتها وتصل إلى نتيجة واحدة بأنّ القضية الفلسطينية هي قضية كل الشعب الفلسطيني ، وبأنّ القضية الفلسطينية هي قضية كل الأرض الفلسطينية ، وأنّ قضية الضفة والقطاع هي جزء من القضية الفلسطينية وليست كل القضية الفلسطينية أرضاً وشعباً ، وأنّ نظرية علم المستودعات التي تقول الداخل آخراً خارج أولاً لا يمكن تطبيقها على قضيتنا الفلسطينية ، فقضيتنا ليست بضاعة قابلة للكساد وبالتالي قابلة لأن تصبح بضاعة معدومة وترمى في مكب النفايات ، فهل استشهاد الشباب الفلسطيني من أجل العودة إلى الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 يدفع بالقيادة الفلسطينية إلى القبول بيهودية الدولة من خلال القبول بحل الدولتين أم يدفعها إلى التمسك بقضية اللاجئين وحق عودتهم إلى أراضيهم وممتلكاتهم التي أخرجوا منها عام 1948 ووضع قضية اللاجئين على طاولة المفاوضات أولاً ؟ .
إنّ الدماء الفلسطينية التي روت أرض الجولان وجنوب لبنان ، وعشرات الإصابات الفلسطينية على حاجز قلنديا وبيت حانون يومي الخامس عشر من أيار والخامس من حزيران يجب إلا تصبح للذكرى ، بل أنّ ِشهداء وجرحى مسيرة العودة يجب أن يكونوا هم الملهم لنا دائماً بأنّ الكبار فينا إذا ماتوا فإنّ أحفادهم لن ينسوا أسماء مدنهم الفلسطينية حيفا ويافا وعكا وصفد واللد والرملة والناصرة وطبرية وبئر السبع والقدس ، فلن تكون هذه المدن إلا مدناً فلسطينية لأنّ أرضها أرضاً فلسطينية ولأنّ أصحابها الحقيقيون فلسطينيون ، وهؤلاء الشهداء والجرحى هم أصحاب المصلحة الحقيقية في أي تحرك قيادي فلسطيني من أجل الحصول على حقوق الشعب العربي الفلسطيني كاملة ، وإذا ما استشهدوا وغادرونا فهذا لا يعني أن حقهم بالعودة قد سقط باستشهادهم ، بل أنّ باستشهادهم أصبح حق عودتهم إلى فلسطين المحتلة عام 1948 ديناً وأمانة في رقابنا لنمارس عنهم حق عودتهم إلى أرضهم .
ولكن أمام الحراك الشبابي الفلسطيني الذي هو حقٌ مطلق للشباب الفلسطيني بأن يأخذ دوره في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني نجد من يحاول مصادرة هذا الحق ، أو بصورة أوضح نجد بعض القيادات الفلسطينية الكهلة الهرمة التي غابت عن المسرح الحقيقي للنضال الفلسطيني منذ أكثر من عقدين من الزمان تعمل على خطف أرواح شهداء مسيرة العودة لتضعها في سلة المزايدات والمهاترات الداخلية الفلسطينية التي طاف كيلها ولم يعد الشعب الفلسطيني عامة والشباب منه خاصة قادر على احتمال سماعها أو الجري وراءها ليكون وقوداً في أتون أزمة النظام العربي ، ومن هنا كان شعار المشيعين لشهداء مسيرة العودة يوم أمس في مخيم اليرموك بأن ( الشعب الفلسطيني يريد إسقاط الفصائل ) لأنّ هذه الفصائل لم تقرأ الواقع العربي بعد لتقر بحق الشباب في أن يمارس دوره من أجل استمرار الثورة الفلسطينية في سبيل تحقيق الحرية والاستقلال والعودة ، وإذا قرأته فقد قرأته ناكرة تاريخها بأنها عندما فجرت الثورة كانت في العقد الثالث من العمر أو يزيد بضع سنين ، لذلك فإنّ ما جرى في مخيم اليرموك هو الاستفتاء الحقيقي لجماهير شعبنا بشأن وجود الفصائل وقياداتها وبأنّ هذه الفصائل لن يـُسمح لها بعد اليوم بالتلاعب بمصير الشعب والزج به ليكون ورقة بيد هذا اللاعب أو ذاك ، ومن هنا فإنّ الشباب الفلسطيني رفع البطاقة الحمراء في وجه الفصائل وإخراجها من ساحة مواجهة العدّو الصهيوني ليس لأنها غير معنية بالصراع مع العدّو بل لأنها لم تعد قادرة فكرياً وعقلياً وجسدياً على ممارسة النضال الحقيقي في ساحة الميدان وراحت تمارس التنظير والتنظير فقط ، بل يبدو أنّ لدى بعض القادة الفلسطينيين عشقاً لنظام التوريث العربي فيريد أن يطبقه على ساحتنا الفلسطينية فلا ضير أن يقوم ابن القائد بإطلاق النار على المشيعين في مقبرة اليرموك لأنه مجرد ابناً للقائد ولأنه ابن القائد فهو يملك الحرية المطلقة بأن يفعل بأبناء الشعب ما يشاء متناسياً أنه مجرد فرد من الشعب وليس حاكماً لهذا الشعب ، ومن هنا كان الرد العنيف للشباب الفلسطيني على هذا الفكر الشمولي في الساحة الفلسطينية لتغرق شوارع اليرموك بالدماء الفلسطينية قتلى ( نحسبهم عند الله شهداء ) وجرحى وكأنّ لحمنا الفلسطيني ودماؤنا الفلسطينية هانت على القيادات الفلسطينية وأصبحت رخيصة جداً مقابل التمسك بأننا قادتكم فأطيعونا .
إنّ ما حدث في مخيم اليرموك هو رسالة برسم كل الفصائل الفلسطينية في الشتات وفي داخل الوطن وهو برسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية للإسراع بوضع اتفاق المصالحة الفلسطينية موضع التنفيذ الفوري وليس التلكؤ في تنفيذه ، لأنّ الشعب الفلسطيني أصبح ينظر بريبة إلى المصالحة الفلسطينية وهو لا يرى أية نتائج على الأرض تنقله من حالة الضياع إلى حالة الذهاب لإعادة صياغة البيت الفلسطيني وإلا فمن حق الشباب الفلسطيني أن يطالب بإسقاط الفصائل بدون استثناء أي فصيل مهما كان حجمه ودوره على الساحة الفلسطينية ، وإنّ أي بند من بنود اتفاق المصالحة يستبعد الشباب الفلسطيني ودوره في النضال الفلسطيني وفي رسم السياسة الفلسطينية سيكون دعوة صريحة من جانب القيادات الكهلة الهرمة في الشتات وفي أرض الوطن لأن يأخذ الشباب الفلسطيني زمام المبادرة ويقصي كل القيادات الفلسطينية عن مراكزها القيادية وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية من خلال وحدة القضية التي تعني وحدة الأرض ووحدة الشعب ووحدة النضال ووحدة الهدف ، وعندها سيكون الشباب الفلسطيني قادراً على الحراك في كل مكان لإعادة المسميات الحقيقية لمفردات القضية الفلسطينية لأنّ ذلك واجب وطني .
7/6/2011 صلاح صبحية |