الجمعة، 18 سبتمبر 2009
الوردة قي يد منتظر الزيدي
الوردة في يد منتظر الزيدي!
محمد العبد الله
لعبت المصادفة دورها في وصول نائب الرئيس الأمريكي لبغداد المحتلة، الأسيرة، وخروج منتظر الزيدي من مراكز الاعتقال الوحشية بذات اليوم. لكن دلالات الحدثين تختلف في نتائجها المنظورة، فالزيارة المفاجئة وهي الثالثة للمسؤول الأمريكي خلال العام الحالي، اثنتان منها وهو نائب للرئيس، تشير إلى استعصاءات مستحكمة في مايسمى "العملية السياسية" التي أوجدها المحتل. فخطة إعادة الانتشار العسكرية لقوات الاحتلال _الانسحاب من المدن كما يسوق اعلام المحتل وأدواته_ كشفت عن الخلل البنيوي في القوات العسكرية المحلية التي بناها الغزاة، كما في تركيبة القوى السياسية المتحالفة، خاصة وأن تشكيلات وزارتي الدفاع والداخلية عكست محاصصة القوى السياسية/الطائفية/المذهبية/الاثنية، إذ حولت هذه القوى العديد من ميليشياتها إلى قوات نظامية رسمية! لكن الولاءات لهذه القوى بقيت على طبيعتها الحزبية/الدعاوية، بل ان وظيفتها التخريبية في بنية النسيج العراقي الوطني استمرت في الملابس الحكومية، وداخل منشآت وأقبية الوزارات المتخصصة، وكمثال على ذلك، ما انكشف داخل أقفاص الموت في الجادرية وساحة النسور. كما أن الذهاب للانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها في 16 يناير/كانون الثاني 2010 والتي أصر بايدن في تصريحات له فور وصوله على "نجاحها كشرط ضروري لحل بعض المسائل العالقة في العملية السياسية"، تجيء في ظل انقسامات حادة داخل القوى المتربعة على مقاعد الحكم في المنطقة الخضراء. فالانشطارات والتفكك تبدوان سمة المرحلة، مما سيعكس ظلاله على التكتلات والقوائم الحزبية المتنافسة داخل الطائفة وعلى مستوى المحافظات. ومن أجل استكمال عملية التفتيت التي يعمل عليها المحتل كخطوة أولى وضرورية لابقاء العراق مابين "تفجيرات الموت المتدحرجة" و "مشرحة الطب العدلي" التي تعمل على ديمومتها فرق الموت التي يشرف عليها الضباط الأمريكيون المتخصصون في إدارة هذا العمل القذر، _جيمس ستيل و ستيفن كاستيل لهما الدور الكبير في تشكيل وقيادة تلك الفرق_ تتهيأ البيئة السياسية والمجتمعية للوصول لمرحلة قيام الفيدراليات. ولهذا تبدو زيارات بايدن المتكررة، صاحب نظرية "التقطيع الناعم" للعراق لثلاث كيانات، في ظل هذا المشهد السياسي/الأمني ضرورة ملحة من أجل تصويب المسارات، وضبط توجهاتها، بعد انكشاف "رعونة" المالكي وطواقمه الأساسية في التعامل مع انفجارات بغداد في يوم الأربعاء الأسود، وما تلاها في أكثر من محافظة.
زيارة بايدن يوم الثلاثاء 15 أيلول/سبتمبر الحالي استقبلتها قوى المقاومة العراقية برشقات من صواريخ "طارق وغراد" استهدفت المنطقة الخضراء ومطار بغداد وقاعدة الصينية، بالإضافة لبعض عمليات التفجير التي استهدفت عربات وناقلات جند قوات الاحتلال. لقد أكدت صواريخ المقاومة على قدرة هائلة مركبة تمتلكها فصائلها، سواء من حيث القدرة الاستخبارية "الاختراق الأمني، التخفي والتمويه" أو القدرة القتالية على امتلاك السلاح من حيث نوعية الصواريخ وفاعليتها، وليس كما تردد بالإعلام عن بضعة قذائف هاون. كما أسقطت ديمومة عمليات المقاومة وسرعة ضرباتها بالتوقيتات المناسبة، منطق الإدعاءات القائلة بأن المقاومة عمل خارجي. لقد أكد شعب العراق مجدداً على قدرته الفائقة في التكيف مع الظروف القاسية التي يخضع لها "الموت الجماعي، الاعتقال، الحصار والتهجير"، وكذلك عبقريته الفذة في تجاوز كل المعيقات في سبيل استكمال مشروعه الوطني في التحرير والاستقلال.
الحدث الآخر في هذا اليوم، كان اطلاق سراح إبن العراق البار، الإعلامي المقاتل "منتظر الزيدي".
الذي أمضى تسعة أشهر في أقفاص الموت المنتشرة في العراق. فردتي حذاء منتظر اللتان استهدفتا رمز الاحتلال وهمجيته، كانت صرخة احتجاج في وجه الظلم كما قال في أول كلمات له بعد خروجه من المعتقل (اردت بقذفي الحذاء في وجه مجرم الحرب بوش ان اعبر عن رفضى لكذبه رفضي لاحتلاله لبلادى رفضي لقتل شعبى رفضي لنهب خيراته وتهديم بناه التحتية وتشريد ابنائه في الشتات وبعد 6 سنوات من الذل والقتل وانتهاك الحرمات وتدنيس دور العبادة يأتي القاتل متبجحا بالنصر والديمقراطية ويريد توديع ضحاياه ويريد منا الورود، ببساطة كانت تلك وردتي للمحتل ومن اراد التواطؤ معه واستغفال التأريخ سواء بنشر الاكاذيب قبل الاحتلال او بعده, اردت الدفاع عن شرف المهنة وعن الوطنية المستضامة يوم دنست البلاد واستبيح الوطن وذهب الشرف الرفيع.
ان الذي حررني للمواجهة هو الظلم الذي وقع على شعبي، وكيف ان الاحتلال اراد اذلال وطنى بوضعه تحت جزمته وسحق فوق رؤس ابناءه من شيوخ ونساء واطفال ورجال وعلى مدى الاعوام الماضية سقط اكثر من مليون شهيد برصاص الاحتلال واكتظت البلاد بخمسة ملايين يتيم ومليون ارملة ومئات الالاف من المعاقين ونحو خمسة ملايين من المشردين داخل البلاد وخارجها).
لقد أزالت كلمات منتظر الغشاء الواهي الذي نسجه "المالكي" حول انسانيته المفرطة في تعامله وردود فعله مع الصحفي الوطني، الذي تعرض للضرب المبرح امام الكاميرات وهو في قاعة المؤتمر. فالديمقراطية المستوردة على ظهر الدبابات، والمحمولة جواً بواسطة المجرمين من المتعاقدين الأمنيين "بلاك ووتر ...نموذجاً"، والتي يعيش في ظلام سراديبها الملايين من أبناء الشعب العراقي، كادت أن تؤرق نوم المالكي، الذي أصر كما قال بعد الحادثة (انه لم ينم الا بعد ان اطمئن على منتظر و بأنه قد وجد فراشاً وفيراً وغطاءً) لقد أضافت كلمات منتظر لآلاف الصفحات التي سطرها المعتقلون بدمائهم وأرواحهم في سجون الاحتلال وحكوماته حقيقة المعاملة "الديمقراطية والانسانية" التي يتلقاها المعتقلون (كنت اعذب بابشع انواع التعذيب: صعق بالكهرباء، ضرب بالكيبلات، ضرب في القضبان الحديدة وفي الباحة الخلفية للمؤتمر الذي كان يجري وما زال يجري وانا اسمع اصوات المؤتمرين وربما كانوا يسمعون صراخ انيني وتركت في الصباح مكبلاً في مكان لا يقيني برد الشتاء القارص بعد ان اغرقوني في الماء منذ الفجر).
شعب العراق الأبيّ، وأبناء الأمة العربية، وكل أحرار العالم، استقبلوا نبأ اطلاق سراح منتظر بفرح منقوص! فالعراق مازال تحت الاحتلال، والملايين من أبنائه مابين أسير ومطارد ومهجر. ولهذا كانت كلمات منتظر(ها انا ذا حر وما زال الوطن اسير) تعبّر عن حقيقة الموقف والمشاعر.
لقد استقبلت المقاومة العراقية بطريقتها المميزة، وبالورد المضمخ بدماء الشهداء واليتامى والثكالى، المتسلل الأمريكي الجديد. أما منتظر الخارج من السجن الصغير إلى السجن الكبير فقد استقبله شعبه وأبناء أمته بباقات الحب والفخر والاعتزاز .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق