الشبكة الاعلامية الفلسطينية-مجال-
orahash@gmail.comالعبث التفاوضي يبلغ ذروته
بلال الحسن
صحيفة الشرق الأوسط (27 / 9 / 2009 )
أعلن الرئيس باراك أوباما بنفسه، انتهاء المحاولة التي أطلقها لبدء مفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية، تنطلق من نقطة وقف الاستيطان. تحداه بنيامين نتنياهو وأعلن أنه لن يجمد الاستيطان. وبعد هذا دعاه الرئيس الأميركي ليجتمع معه في البيت الأبيض، حتى أنه أعلن باسم الدولة العظمى، أن نجاحاً تحقق ويمكن أن نبني عليه.
الرئيس الفلسطيني القادم إلى اللقاء من الضفة الغربية، تراجع عن مواقفه كلها، ولسان حاله يقول: إذا كان الرئيس الأميركي قد تراجع عن موقفه فماذا أستطيع أنا أن أفعل؟ وهكذا قال وكرر وأكد أنه لن يذهب إذا لم يتم وقف الاستيطان.. ولكنه ذهب. وبعد لقاء البيت الأبيض، الذي له معنى عميق جداً رغم كل ما يقال من أنه لقاء لا معنى له، تحدث الرئيس محمود عباس للصحافة وقال «حكومة نتنياهو مشكلة فعلاً. لا يوجد هناك أرضية مشتركة للحديث. الاستيطان سيستمر. القدس خارج النقاش. اللاجئون خارج النقاش. يرفضون حل الدولتين. إذاً ماذا نبحث، وعلى ماذا نتفق؟». وهذا تساؤل صحيح فعلاً: ماذا نبحث، وعلى ماذا نتفق؟ والجواب على هذا السؤال بسيط جداً من وجهة النظر الفلسطينية: ليس هناك ما نبحث فيه مع "إسرائيل"، وليس هناك ما نتفق عليه مع "إسرائيل". ولكن لا أحد يتفق مع هذه النتيجة البديهية، لا باراك أوباما ولا محمود عباس. وكل واحد منهما له أسبابه وله دوافعه.
الرئيس أوباما يحكم دولة عظمى هي التي أوجدت دولة "إسرائيل". وهي التي تحمي دولة "إسرائيل". وهي التي تسلح "إسرائيل" وتشجعها على شن الحروب المتوالية ضد العرب والفلسطينيين. وهي التي تجد أن "إسرائيل" تقدم خدمة استراتيجية دائمة لها في تهديد العالم العربي، وضبطه، ومنعه من القيام بأية حالة تمرد على النفوذ الأميركي الطاغي في المنطقة، حتى أن مناحيم بيغن رئيس وزراء "إسرائيل" الأسبق، تحدى الرئيس الأميركي في عهده (حرب 1973) طالباً منه المساعدات الضخمة وقائلاً له: إن "إسرائيل" تخدم أميركا بكلفة أقل من كلفة أية قاعدة عسكرية للجيش الأميركي. والآن.. جاء الوقت الذي يعتقد فيه الرئيس الأميركي أن على "إسرائيل" أن تلتزم بالتكتيك السياسي الأميركي من أجل إرضاء العالم العربي والإسلامي (حسب خطاب القاهرة). ولكن حين اختلفت وجهات النظر مع "إسرائيل"، اختار الرئيس الأميركي الحفاظ على "إسرائيل" كقاعدة أميركية، تاركا لها حرية العمل السياسي مع الفلسطينيين، حسب ما تراه مناسبا لها.
وبهذا المعنى يتبين أن خطاب أوباما الإسلامي في القاهرة لم يكن سوى لعبة لغوية، وأن أوباما يلتزم في مواقفه العملية بالنهج نفسه الذي التزم به كل الرؤساء الأميركيين قبله، وأساس هذا النهج: حماية "إسرائيل" في وجه الفلسطينيين والعرب.. حمايتها كمصلحة أميركية.
أما إذا انتقلنا إلى مواقف الرئيس محمود عباس، الذي ذهب إلى لقاء واشنطن مكرهاً حسب قوله، فهو الذي طرح التساؤل حول جدوى التفاوض مع "إسرائيل" قائلاً «ماذا نبحث، وعلى ماذا نتفق؟». وهو أيضاً الذي قدم جواباً غريباً على هذا السؤال خلاصته أن لا مشكلة مع "إسرائيل"، وأن المشكلة هي مع بنيامين نتنياهو فقط. ويرد هذا القول بعد أن تفاوض الفلسطينيون مع ست حكومات إسرائيلية منذ اتفاق أوسلو حتى الآن، ومن دون الوصول إلى أي نوع من الحلول. وبعد أن تفاوض محمود عباس مع ثلاث حكومات إسرائيلية من دون الوصول إلى أي نوع من الحلول. ومع ذلك فالرئيس عباس متفائل، ومتفائل جداً، حتى أنه كشف لنا سراً لم نكن نعرف عنه شيئاً من قبل، وهو أنه، أي محمود عباس، كانت له علاقات سمن وعسل مع حكومة إيهود اولمرت التي سبقت حكومة نتنياهو، حتى أنه توصل معها إلى حل أعقد خطوة في عملية التفاوض، وهي تحديد (الحدود والأرض) المتفاوض عليها، «وإذا رسمنا حدوداً نكون أنهينا مشكلة الاستيطان، وأنهينا مشكلة المياه، وأنهينا مشكلة القدس». حسب قوله. وأبلغنا الرئيس محمود عباس أيضاً بسر آخر لم نكن نعرف عنه شيئاً، وهي أنه بعد أن توصل إلى حل مشكلة الحدود مع إيهود اولمرت، بدأ الطرفان برسم الخرائط التي تحدد الأراضي التي سيتم تبادلها. وهنا يفاجئنا الرئيس محمود عباس بما لا يمكن توقعه، إذ يقول: عند هذه النقطة لم نتفق.
هذا التفاؤل المفرط بحكومات "إسرائيل"، والذي لا سند له إلا في الأسرار التي لا يعرفها حتى المتتبعون، يقتضي القول بضرورة مواصلة التفاوض مع حكومة "إسرائيل"، وحتى مع حكومة نتنياهو إذا وافقت على البدء من النقطة التي انتهى إليها التفاوض (السري) مع أولمرت. فهل هذا الاستنتاج صحيح؟ نكتشف، حسب تصريحات عباس، أن هذا الاستنتاج غير صحيح، وأن المفاوضات بينه وبين حكومة نتنياهو قائمة ومتصلة، وأن العلاقات بينهما هي أيضاً سمن وعسل، كما كانت مع حكومة أولمرت. فهو يقول وبحزم «إنني لم أقطع الحوار مع "إسرائيل" إطلاقاً، فيما يتعلق بالأمن والقضايا الاقتصادية والحياة اليومية. ليست هناك قطيعة بيني وبين الحكومة الإسرائيلية. هناك خلافات على كيفية بدء المفاوضات السياسية، وعندما نتفق سنتحاور».
إن التعاون الأمني مع المحتل، حسب الرئيس محمود عباس، ليس سياسة. إن وقف الانتفاضة ضد المحتل، حسب الرئيس محمود عباس، ليس سياسة. إن شطب العمل الفدائي واعتباره خارجاً عن القانون، حسب الرئيس محمود عباس، ليس سياسة. السياسة هي فقط (الاتفاق على الحدود والاختلاف على خرائط الحدود). حتى موضوع اللاجئين الفلسطينيين يمكن إيجاد حل له بعيداً عن السياسة، وذلك ضمن ثلاثة أمور:
أولاً: بعض الفلسطينيين يمكن أن يعودوا إلى "إسرائيل".
ثانياً: بعض الفلسطينيين يمكن أن يعودوا إلى الوطن.
ثالثاً: بعض الفلسطينيين سيحملون جنسية فلسطينية، ولن يكونوا عبئاً على أحد.
أرأيتم ما أسهل حل قضية اللاجئين بملايينهم الستة؟
وهناك بند آخر سيسهم في حل قضية اللاجئين، وهو بند لا علاقة له بالتفاوض أو بالحلول السياسية. إنه ابتكار فلسطيني بحت. ففي داخل اللجنة التنفيذية التي تشكلت مؤخراً في الضفة الغربية، تم استحداث دائرة جديدة سميت (دائرة المغتربين). وحسب هذه الدائرة الجديدة التي يتولى أمورها يساري مرموق (من يساريي المحافظين الفلسطينيين الجدد)، سنكون من الآن وصاعدا أمام نوعين من الفلسطينيين المطرودين من وطنهم، الفلسطيني اللاجئ والفلسطيني المغترب. وستنشغل الأمم المتحدة طويلاً في تحديد من هو اللاجئ ومن هو المغترب. ومنذ الآن سيقف أي مسؤول إسرائيلي ليعلن أنه يرفض البحث في موضوع اللاجئين قبل أن يجري إحصاء في عواصم العالم كله، حول عدد اللاجئين وحول عدد المغتربين منهم، لنعرف حول ماذا يجري الحوار والتفاوض.
وإذا واصلنا الحديث حول هذه القضايا، حسب هذا النوع من الحديث، ستصبح كافة القضايا مطروحة خارج السياق، وسيكون العبث التفاوضي قد بلغ ذروته. فلا اللقاء الثلاثي في البيت الأبيض خطوة على طريق التسوية السياسية، ولا تحليلات الرئيس محمود عباس عن حكومة أولمرت الطيبة، وخرائطها التي تحتاج فقط إلى مزيد من التفاوض، خطوة على طريق التسوية.
التسوية لها عنوان واحد هو نتنياهو، بصفته رئيس وزراء "إسرائيل"، وحيث كل رؤساء الوزارات في "إسرائيل"، يرفضون إنجاز تسوية مع الفلسطينيين، لأنهم يريدون الأرض والأرض فقط، مع مستوطناتها ومستوطنيها ومياهها وحوضها المقدس، ويتمنون لو أنهم يتمكنون من طرد بقية السكان.
هذه هي الحقيقة ولا حقيقة سواها، وعلى ضوء هذه الحقيقة يتوجب على الجميع أن يستنتجوا مسؤولياتهم.
أما الرئيس أوباما فسيسجل له التاريخ أنه ألقى خطاباً «غريباً» في القاهرة.. ثم ضاع في زحمة الأحداث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق