الخميس، 3 ديسمبر 2009

هل الإسلام عاجزٌ عن إنتاج مشروع نهضوي؟!

الشبكة الاعلامية الفلسطينية-مجال-
هل الإسلام عاجزٌ عن إنتاج مشروع نهضوي؟!

                                                                                       غطاس ابو عيطة

بعنوان (( الماركسية والدين .... من لاهوت التحرير المسيحي إلى لاهوت التحرير الإسلامي)),صدَّر الأستاذ حسن الصعيب(من المغرب),عن دار التنوير ودار الفارابي في بيروت, الكتاب الذي يشمل على مجموعة من الدراسات والمقابلات الصحفية والمقالات التي تدور حول العنوان المذكور,وإذ تطلّع القارئ في أن يسهم هذا الكتاب متوسماً بعنوانه,في إقامة حوار منتج بين التيارات الفاعلة في حركة التحرر العربية,رآه يتجه نحو وجهة أخرى ,داعياً للقطيعة مع التيار الإسلامي,معتبراً أن قوى هذا التيار,قد انحكمت جميعها"للشريعة الإسلامية ,التي انغلقت منذ نشأتها على فكر جامد أسهم في تعطيل مسار التغيير في المجتمعات العربية والإسلامية ,وحال بالتالي دون نشوء لاهوت تحرير إسلامي على غرار لاهوت التحرير المسيحي الذي قام في بلدان أمريكا اللاتينية والذي انفتح على الماركسية والعقلانية"(؟).
وهكذا فإنه بعد أن يعرض الكتاب – في قسمه الأول -,نماذج من الفكر"العقلاني"الذي أنتجته حركة لاهوت التحرير الدينية المسيحية في البلدان المذكورة,والتي أسهمت إلى جانب القوى العلمانية الماركسية في نهضة شعوب تلك البلدان, فهو يعمد – في قسمه الثاني - ,إلى إفهامنا عبر مساهمات مختلفة لكتاب عرب(جلهم من المغرب),بأن الديانة الإسلامية بحكم نشأتها وتطور فقهها ,غير قادرة على إنتاج حركة من هذا القبيل ,وعليه فإنه لا مجال في عالمنا العربي والإسلامي لقيام تحالفٍ بين القوى الماركسية والقوى الأصولية الإسلامية,وأن مهمة التحرر والتقدم والنهضة تبقى منوطة بالقوى العلمانية وحدها(الماركسية) شريطة أن تتمكن هذه القوى من تحرير وعي الجماهير الشعبية من الاستلاب الديني(؟).
وإذ نعرض للخطاب الذي يسوِّقه هذا الكتاب فيما يتعلق بالديانة والشريعة الإسلامية,فإننا نتوقف عند المساهمة التي تقدم بها الكاتب عبد الله الخريف والتي تختزل في رأينا ما أراد الكتاب تسويقه,حيث يقول لنا هذا الكاتب: -
1-   إن تطور البشرية سوف يفضي إلى انتفاء الحاجة إلى الدين,حيث يقول في ذلك))الديانات جميعها ومن ضمنها الإسلام,تجيب بالنسبة لملايين البشر على تساؤلات وجدانية حول معنى حياتهم وموتهم ومصائرهم,وإنه مهما يكن تقييمنا لتلك الإجابات الدينية,فإن علينا أن ندرك بأنه ما يزال أمامها مستقبل طويل وطويل جداً,لأن تجاوزها يرتبط بصيرورة تاريخية طويلة الأمد,وذلك قبل أن تنتفي كل أشكال الاستلاب في الوعي الإنساني,وقبل أن تتحرر طاقات الإنسان من جميع الحواجز والمكبوتات التي تحول دون ازدهار البشرية)).... وانطلاقاً من هذه الرؤية,يتوجه الكاتب إلى القوى الماركسية بدعوتها((إلى تعميق فهمها للظاهرة الدينية,كي تقدِّم في إطار نظرتها للعالم,إجابات عقلانية على التساؤلات الوجدانية التي تشغل البشرية,بالاستناد إلى إسهامات ماركس وإنجلز وغيرهما من المفكرين الماركسيين,وذلك في قطيعة مع الإجابات الدينية التي تستلب وعي الإنسان))(؟).
2-   "إن الإسلام – بعكس الديانات الأخرى وخاصة المسيحية - , ظهر كدين ودنيا, وذلك ما فرض القيود على تقدم المجتمعات الإسلامية, بحيث أبقاها أسيرة نموذج الدولة التي أقامها النبي في المدينة.إذ رغم أن هذا النموذج الذي أضفيت عليه القداسة قد اصطدم بالصراع على الخلافة بعد وفاة النبي,إلا أنه بقي سائداً رغم كونه لم يعد ملائماً لدى اتساع رقعة الدولة الإسلامية,التي ضمت شعوباً ذات حضارات وثقافات وبنيات اقتصادية – اجتماعية مختلفة عما عرفته المدينة"(؟).
3-   "وقد ترسخ هذا النموذج(الذي يقوم على الجمع بين الدين والدنيا) في عهد الدولة العباسية,التي عمدت إلى تدوين الشريعة الإسلامية ضمن تأويل يقوم على خدمة مصالح الفئات المهيمنة والمستغلة,وقضى ذلك بتحجُّر هذه الشريعة التي أُغلقت بوجه الاجتهاد خارج سياق ذلك التدوين الذي ظل سائداً في المراحل التاريخية التالية رغم عدم صلاحيته لتلك المراحل"(؟).
4-   "ومع انهيار دولة الخلافة العباسية أمام الصراعات الداخلية التي نشأت بين سلطة ومعارضة استندتا على ذات التأويل الجامد للشريعة,وكذلك أمام الغزوات الخارجية ,تعاظم انغلاق الفكر الإسلامي ضمن عملية هروب من مواجهة تحديات الواقع التي نجمت عن الانهيار والغزوات الخارجية الصليبية والمغولية,وأتت السيطرة الاستعمارية والإمبريالية في التاريخ المعاصر,لكي تطيل في عمر هذا الانغلاق الذي نسج على منوال ابن تيمية تحت لافتة الدفاع عن دار الإسلام.وهكذا بقيت الشعوب المسلمة,أسيرة وعي ديني غير عقلاني كرَّسته عوامل تاريخية ,وبحيث بات مطلوباً أن نعيد النظر في كل هذا الوعي,منطلقين في الأساس من ضرورة فصل الدين عن الدنيا وعن السياسة"(؟).
5-   "ومن تجري الإشادة بفكرهم الإصلاحي من الروَّاد الإسلاميين فيما عُرف بعصر النهضة من أمثال الأفغاني والكواكبي ومحمد عبده,لم يقدموا للمجتمعات العربية والإسلامية,غير فكر تلفيقي,يقوم على الجمع بين منجزات الحضارة الغربية المادية,وبين الشريعة الإسلامية التي تُقعد العربي والمسلم عن استيعاب الوعي الذي يقف خلف تلك المنجزات".
وما يخلص له الكاتب استناداً إلى مجمل تلك الرؤية:-
-     "أن الفكر الأصولي يسهم في الانحطاط ,لأنه يقدم مشروعاً تراجعياً,ماضوياً,وطوباوياً بالمعنى السلبي لهذا المصطلح .... وإنه إذ تمكن هذا الفكر بفعل حمولته التعبوية العاطفية,أن يلف الجماهير الشعبية في لحظة استلاب وعيها,وان يحقق بعض الانتصارات على قوى الاستعمار والإمبريالية,فإنه ثمن تلك الانتصارات ,كان المزيد من التقوقع حول ماضٍ تُسقط عليه الأحلام والرغبات"(؟).
-     "إن الشريعة الإسلامية – كما جرى تدويينها وكما هي بفعل نشأتها -,تتعارض مع العصر ومع العلم والتقدم,وإنه لا سبيل للخلاص من تأثيرها,بغير نشر الفكر العقلاني الذي يتعامل مع تحديات الواقع بنظرة علمية ,وليس من خلال حلول سحرية ووهمية"(؟).
-     "وانطلاقاً من هذا الفهم علينا أن نقول بكل وضوح,بأننا كماركسيين ,نختلف جذرياً مع المشروع السلفي الإسلامي,وانه لا توجد أية إمكانية لأي تحالف تكتيكي أو استراتيجي مع أصحاب هذا المشروع,مقتصرين على حوار جاد مع العناصر الإسلامية المتنورة,بهدف دفعها إلى القطيعة مع المشروع المذكور وتبني المشروع الماركسي العلماني"(؟).
وإذ نتوقف عند هذا الخطاب الذي يعكس باسم الماركسية نظرة انغلاقية تجاه المرجعية الإسلامية,فإننا إنما نسعى للتصدي لما يعبِّر عنه تيار يساري على الساحة العربية,بات يغطي قعوده عن مجابهة حملة الإخضاع الإمبريالية- الصهيونية,من خلال الهجوم على التيار الإسلامي الذي بات يتصدَّر في هذه المرحلة عملية المواجهة لتلك الحملة,وفي ذلك نود القول:-
أولاً – إن الصراع الذي يدور داخل المجتمعات البشرية بين الفئات والقوى المتسلطة التي تقاوم التغيير ,وبين الفئات والقوى التي تواكب حركة التاريخ مناضلة من أجل التغيير والتقدم,يمكنه أن يستظل بأي إيديولوجيا سواء كانت دينية أم علمانية,ويرتبط ذلك بظروف هذا الصراع وبمرحلته التاريخية.
وبالنسبة لحركة التحرر العربية,فإن الوعي الديني بقي فاعلاً في هذه الحركة في ذروة هيمنة الإيديولوجيا القومية والاشتراكية حيث لم تجد الجماهير,أن هناك تعارضاً بين تديُّنها وبين تلك الإيديولوجيا بصيغتها غير الانغلاقية,وما نشأ من تعارض بين القوى العلمانية(القومية واليسارية),وبين القوى ذات المرجعية الدينية,كان من شأنه أن أضعف هذه الحركة,ولم يكن ذلك التعارض عقدياً بقدر ما عبر عن صراع بين قوى تواجه ذات الأخطار على مستقبل الأمة.
ثانياً – إن الخطاب الذي نحن بصدده,يعيدنا لما أسماه لينين بمرض الطفولة اليساري,وهو المرض الذي ساد الحلقات الماركسية الهامشية التي تسمَّت باليسار الجديد الذي ناهض التجربة السوفيتية باسم ماركسية ما فوق ثورية,ولقد أنتج هذا اليسار كما هو معلوم,عصابة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية التي غدت أكثر يمينية من قوى اليمين الأصلية في هذه الإمبراطورية الاستعمارية,وإنه لمن المؤسف أن تكون أوساط يسارية عربية غير محصَّنة أمام هذا المرض,بحيث تتبنى مثل هذا الخطاب الطفولي,دار نشر عائدة لحزب شيوعي عربي يلتقي فيما يصدر عنه,مع الأطروحة التي يعبِّر عنها هذا الخطاب حين يقول:"أن الانتصارات التي تحققها قوى المقاومة الإسلامية في مواجهة الحلف الأمريكي – الصهيوني,ثمنها المزيد من التقوقع حول ماضٍ تسقط عليه الأحلام والرغبات",وفي ذات السياق ,تلتقي قوى يسارية فلسطينية,مع الرؤية التي عبر عنها رمز سلطة دايتون,حين اعتبر القاعدة التي أقامها تيار المقاومة في قطاع غزة,والتي عجز الصهاينة عن سحقها عبر حرب عدوانية همجية متطاولة,والتقى على حصارها كل حلفاء وأعوان أمريكا والعدو الصهيوني,بأنها إمارة ظلامية.
ثالثاً – إن ما يروِّجه صاحب هذا الخطاب عبر رؤية انتقائية واختزالية لتاريخ الحضارة العربية والإسلامية,هو أن هذه الحضارة بقيت أسيرة نشأة الديانة الإسلامية كدين ودنيا,وأسيرة التأويل الاستبدادي العباسي للشريعة الإسلامية,وكأن هذه الحضارة لم تقدم للبشرية إبداعاً في مختلف مجالات الحياة والمعرفة,أو كأن الديانة المسيحية التي أنتجت لاهوت التحرير في بلدان أمريكا اللاتينية كونها فصلت الدين عن الدنيا حسب أوهام الكاتب,لم تنتج في مقابل ذلك ,نظماً ملكية تسلطية في أوروبا,ولم تغطّ غزوات بربرية كالتي طالت عالمنا العربي الإسلامي باسم الحروب الصليبية,ولم تبرِّر وتدعم الحركة الاستعمارية منذ نشوئها في التاريخ الأوروبي المعاصر,لتكون الرؤية الموضوعية في نظرنا,بأنه ليس الدين وإنما طبيعة الإيديولوجيا المشتقة من الدين(أو من أي مرجعية فكرية),هي التي تقوم على توظيف تلك المرجعية لصالح البشرية أو لصالح أعداء الإنسان,وأن أي دين (وأي مرجعية فكرية),لا يمكنه مهما كانت نشأته,أن يظل حكراً على تأويلٍ محافظ يوقف حركة التاريخ,وهناك شواهد حيَّة نلمسها في زمننا الراهن,على صلاحية المرجعية الإسلامية لاحتضان وعي أكثر عقلانية من ذلك الوعي الذي ينافح عنه أدعياء الحداثة والعصرية من الليبراليين الجدد.
رابعاً – وإذ يقرُّ صاحب هذا الخطاب في سياق مقاله,بعزلة الحلقات الماركسية النخبوية التي يدافع عن وعيها,عن أوساط الجماهير الشعبية في بلده(المغرب),فإنه إنما يدعو إلى تكريس تلك العزلة,حين يقول لتلك الجماهير,بأن معتقدها الإسلامي هو تجسيد لاستلاب وعيها أمام"مشروع تراجعي ماضوي, طوباوي.... وأن تحرر هذا الوعي يفرض عليها أن تتحرر من هذا المعتقد الديني الذي هو وليد حقبة تاريخية مصيرها التجاوز الجدلي".وغني عن القول بأن مثل هذه النظرة الطفولية إلى الدين ,قد حاربها ماركس عند فيورباخ,حين أقام هذا الأخير حاجزاًَ مصطنعاً بين الفكر المادي والفكر المثالي الذي نسب الدين له,وحاربها لينين كذلك,حين دافع عن قبول قساوسة في حزبه الاشتراكي الديمقراطي,وفعلت ذلك الحركة الثورية الساندينية في نيكاراغوا التي أنجزت نموذجاً متقدماً من المصالحة بين المرجعية الماركسية والمرجعية الدينية,وهو ذات النموذج الذي اعتمده شافيز في فنزويلا,وأسهم في ترسيخه على المستوى النظري القائد الكوبي فيديل كاسترو.
خامساً – إن عودة الحركات الأصولية الإسلامية للسلف الصالح,أي لاستلهام الصفحات المشرقة في التاريخ العربي والإسلامي,هو ليس بدعة في وعي حركات التغيير الثورية التي عرفتها شعوب العالم,ويمكننا أن نعود إلى القول على هذا الصعيد ,بأن استحضار الماضي في حركات الشعوب,يمكنه أن يخدم عملية النهوض باتجاه مستقبل يتم بناءَه بالاستناد إلى استيعاب عقلاني لمعطيات الواقع المعاش ويمكنه أن يخدم بالمقابل عملية الانغلاق عن معطيات هذا الواقع,وذلك ما نلمسه في مسار الحركات الأصولية الإسلامية في واقع الأمة الراهن,حيث ينغلق تيار منها أمام روح العصر ,فيما ينفتح تيار آخر على منجزات الحضارة الإنسانية بكل مكوناتها,وذلك دون أن يشعر بالدونية أمام الآخر الغربي.ومن هنا يمكن القول,بأن استلهام نموذج دولة المدينة التي أقامها النبي,يمكنه أن يستعيد القيم الإنسانية التي نهض على أساسها هذا النموذج ,ويمكنه أيضاً,أن يتنكَّر لتلك القيم,بالخضوع إلى ردة فعلٍ من ذات النوع على طبيعة الهجمة العنصرية الإلغائية التي تشنها الإمبريالية والصهيونية على عالمنا العربي وعلى الشعوب الإسلامية.
أما ما يسوقه الكاتب بشأن موضوع الصراع على الخلافة بعد وفاة النبي,فإنه يأتي مناقضاً لأطروحته التي تقول بأن نشوء الإسلام كدين ودنيا,قد عطَّل حركة التاريخ في العالم الإسلامي,لأن ما يكشف عنه هذا الصراع على الخلافة,هو أن الدولة التي أقامها الإسلام ,لم تخرج عن قوانين الدول والإمبراطوريات التي عرفها التاريخ,والتي استقرت بعد مرحلة من الصراعات رافقت نشأتها,ثم طالتها عوامل الهدم بعد أن دخلت مرحلة الهرم والشيخوخة بعد مرحلة من القوَّة والحيوية.
ونقول في الختام,بأن حركة الجماهير الشعبية في أي زمان ومكان,يظل بداخلها وعي عقلاني موضوعي وواقعي,ووعي عاطفي ووجداني تخالطه الأحلام والرغبات,ولا ينتقص ذلك من ثورية تلك الحركة ومن قدرتها على التغيير,ذلك أن الشعوب العربية,لم تفقد البوصلة وهي تستند إلى مثل هذا الوعي,إذ التفَّت في كل مرحلة من مراحل نضالها التحرري والنهضوي,حول من يحمل راية التحرر والنهضة بغض النظر عن طبيعة الإيديولوجيا التي يجاهر بها 1ذلك الحامل.


 @gmail.com