الاثنين، 17 أغسطس 2009

ليست اعلمانية هي الحل

ليست ((العلمانية هي الحل)) غطاس أبو عيطة رداً على ما طرحه الدكتور محمد جابر الأنصاري ,من أنه ((لم يبق أمام العرب والمسلمين من فرصة لإنقاذ مستقبلهم ومصيرهم,غير إنهاض إسلام تجديدي متحرر ومتسامح ومعتدل,وذلك بعد أن جرَّبوا من دون جدوى خيار التغريب الخالص,ومن ثم خيار الإسلام المتشدد والمتطرف)),يقول "الباحث والأكاديمي في جامعة كامبردج"الأستاذ خالد الحروب ما مضمونه:- 1- إن العرب والمسلمين لم يجربوا التغريب الخالص لكي نحكم بالفشل على هذا الخيار,وإن الدول التي أدخلت شيئاً من التغريب في حياة شعوبها ,كتونس ,وبصورة أكثر وضوحاً تركيا,هي الآن أفضل حالاً من باقي الدول العربية والإسلامية. 2- إن انتظار أن ينهض العرب والمسلمون بإسلام معتدل ومتحرر ومتسامح وعصري هو من قبيل الوهم الذي ما زال يراود بعض الحالمين,ذلك أن الدول لا تبنى في الأساس على الفكر الديني وإنما استناداً إلى مفاهيم برجماتية علمانية تفرضها معادلات الواقع,وأن ما أنتجه تسييس الدين من جانب النظم العربية والإسلامية هو الدكتاتوريات التي عطلت تقدم شعوبها وتطوُّر بلدانها,وبالنسبة للحركات الإسلامية القائمة وعلى اختلاف أنواعها,فهي لا تستطيع أن تنتج غير إسلامٍ متشدد ومنغلق لا يفرز غير العنف مهما حاولت النزوع نحو الاعتدال. 3- إن مراحل الاستقرار والازدهار التي عرفتها الدول العربية والإسلامية في تاريخها القديم,هي تلك المراحل التي جرى فيها الفصل بين شؤون الحكم وشؤون الدين,بحيث بقي الدين على فطرته كما تفهمه الجماهير الشعبية بعيداً عن الاستخدام السياسي,وإنه كلما كان يجري تسييس الدين ,كانت تسود حالة من الصراعات المدمرة ومن عدم الاستقرار,وذلك حين تعمد النظم الحاكمة إلى تغطية فسادها وظلمها بالاستناد إلى الدين ,فترد عليها قوى سياسية تستخدم الدين غطاء لعنفها ولتعطشها للسلطة. 4- وما يخلص له الأستاذ الحروب,هو أن "العلمانية هي الحل"بالنسبة لإشكاليات واقعنا كشعوب عربية وإسلامية,وأن "تسييس الدين,وتديين السياسة"الذي لم نخرج من دائرته حتى الآن ,هو ما يشكِّل "أساس الوضع المخجل الذي ما تزال تعيشه شعوبنا,والذي يسيء لصورتها أمام نفسها وأمام العالم". وإذ نعود لمناقشة مثل هذه الرؤية فإننا نقول التالي:- أولاً – إن الوعي كبنية ثقافية فوقية,هو بصورة عامة من حيث تقدمه وتأخره ,يأتي انعكاساً جدلياً لتقدم وتأخر البنية التحتية المادية لأي مجتمع,وبالتالي فإن الفكر الديني في مجتمعٍ ما,هو شأن الفكر العلماني يتقدم ويتأخَّر مع تقدم وتأخر التشكيلة الاجتماعية القائمة فيه,من دون أن يعني ذلك,عدم وجود دور للفكر وللثقافة في تغيير وتطوير البنية التحتية,لكنه يعني,ألا نعمد للحكم على بنية فكرية وثقافية بمعزل عن واقع البنية التحتية. وانطلاقاً من هذه الرؤية نأتي إلى مقاربة التجربة التركية,معتبرين أن ما أنهض البنية التحتية في تركيا المعاصرة,هو ليس خيار التغريب والعلمانية كما يرى تيار واسع من مثقفينا,وإنما قيام سلطة مركزية قوية وحازمة استندت إلى دعم المؤسسة العسكرية,ووضعت نصب عينيها بناء اقتصاد متمحور على الذات وفق مصطلح د.سمير أمين,أي اقتصاد متحرر من سيطرة المراكز الرأسمالية,ومن هيمنة برجوازية كومبرادورية تابعة لتلك المراكز. وإنه مع نهوض البنية التحتية في هذا البلد(الاقتصادية- الاجتماعية),أمكن بروز حركة سياسية دينية وعلمانية ذات وعي حداثي وعقلاني,وإن ما أنجزه الحزب الإسلامي الذي وصل إلى السلطة(حزب العدالة والتنمية),بإخراج تركيا من أزمة مالية واقتصادية حادة,وبفك انعزالها المصطنع عن محيطها الإقليمي الذي يشكل المجال الحيوي لمزيد من تقدم بنيتها التحتية,وبتوجهه نحو حل المشكلات المزمنة الداخلية مع الأقليات العرقية والمذهبية ,وخاصة المشكلة الكردية لهو دليل على أن الفكر الإسلامي لا يشكل عقبة بوجه سياسة عقلانية بعيدة عن الانغلاق. بل إنه يمكن القول, بأن مغالاة تركيا في مسألة حماية العلمانية, من شأنه أن يبقيها أسيرة اشتراطات المراكز الرأسمالية واتحاد الدول الأوروبية التي لا تخدم مصالحها,وبالتالي رهينة تعارض بين توجهات النظام السياسية والثقافية وبين ميول الكتلة الشعبية الواسعة,بما يعيق تجاوزها لما حققته من مكتسبات في المرحلة السابقة.وعلى سبيل المقارنة,يمكننا ملاحظة أن العلمانية لم تنقذ الاتحاد السوفييتي من الجمود ومن ثم الانهيار,ذلك أن العلمانية التي سادت,لم تمنع هيمنة شريحة سلطوية بيروقراطية في هذا البلد وضعت مصالحها الانتهازية الضيقة في تعارض مع مصلحة شعبها وبلدها,معطلة برغم علمانيتها,استمرار تقدم البنية التحتية والبنية الثقافية الفوقية داخل هذا البلد. ثانياً – وانطلاقاً من الرؤية ذاتها يمكن القول كذلك,بأن ما يطلق العنف في بلدٍ وفي مجتمع ما,هو ليس إدخال الدين في السياسة كما يرى باحثنا,وأن الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية التي تنتج عن سياسات نظام علماني أو ديني هي العامل الأساس في توليد العنف الذي يختلط بدوافع ثقافية,فما شهدته بلدان أمريكا اللاتينية إلى جانب بلدان آسيوية من مظاهر العنف,لم يتم على يد حركات دينية بل علمانية في الغالب,وقد لاحظ الزعيم الإسلامي التونسي راشد الغنوشي,كيف أن أوضاع الشعب الجزائري المعيشية البالغة القسوة,قد ولدت حركات إسلامية متشددة وعنيفة ,فيما ولَّدت أوضاع المجتمع التونسي الأقل قسوة وتأزماً,حركات إسلامية تميل إلى الاعتدال وإلى قبول الآخر 0(مع عدم غياب مجموعات تكفيرية هامشية ومعزولة). ثالثاً – غير أن ما يغفله مروجو ثقافة جلد الذات القومية والإسلامية,هو ما تميزت به الهجمة الاستعمارية على هذه المنطقة ,وخاصة على شعوبنا وامتنا العربية والإسلامية,والتي أعاقت عملية نهوض بنيتها التحتية المادية,ومن ثم بنيتها الفوقية الثقافية, مشيرين إلى أنه في إطار هذه الهجمة,سعت القوى الاستعمارية إلى استمالة الأمتين الإسلاميتين الجارتين التركية والإيرانية عبر نظاميهما إلى مشروعها الإقليمي الاستعماري,حيث سعت إلى ربطهما بوظيفة القاعدة الاستيطانية الصهيونية في إخضاع المحيط العربي,ليأتي تحررهما من التبعية التامة للسياسة الاستعمارية في المنطقة,في صالح شعوبهما أولاً,ثم في صالح الشعوب والأمة العربية,وذلك ما لا يريد أن يدركه ,محاربو طواحين الهواء من منظري الانعزالية القومية. كما أن ما يتجاهله مروجو تلك الثقافة,هو قيام حركة تجديد فكري إسلامية في محيطنا العربي إبان ما سمي بعصر النهضة,وأن رموز تلك الحركة,استطاعوا إقامة حوارٍ منتجٍ في حينه مع رواد الفكر الليبرالي العلماني,وأن الغزو الكولنيالي للبلدان العربية ,هو ما قطع هذا المسار التجديدي المعتدل والمنفتح في الفضاء الثقافي لمجتمعاتنا,لتسود ثقافة ردة الفعل التي تقوم على الانغلاق تجاه الآخر الداخلي والخارجي,بل إن مثل هذا الانفتاح بين التيارين الديني والعلماني,برزت بعض مظاهره إبان مرحلة النهوض القومي التي قادها نظام عبد الناصر,وبرز في الوقت ذاته,ما يناقض هذا الانفتاح بين قوى دينية, ووسط قوى وأحزاب علمانية أيضاً,وذلك ضمن تجربة لا بد من استيعاب دروسها وتجاوز أخطائها. ولعل ما نلمسه الآن في وعي حركات المقاومة الإسلامية- إذا ما تجاوزنا النموذج الذي تقدمه القاعدة - ,هو أن الوعي التجديدي العقلاني المنفتح على روح ومنجزات العصر,لم يبق خارج بنية تلك الحركات وذلك على الرغم من ضراوة الهجمة الكولنيالية المتجددة على دولنا وشعوبنا العربية,وإن ما يأخذه نهج الاستسلام على هذه الحركات,هو تصادمها مع المشروع الاستعماري – الصهيوني وليس ما يلصقه بها من عنفٍ داخلي هو وليد تجاذب بين خط الخضوع للسيطرة الاستعمارية ,وبين خط التصدي لأطماع ومشاريع المستعمر. رابعاً – وبالعودة إلى النموذج الذي يعتمده أنصار العلمانية في دعوتهم لإخراج الدين من السياسة وهو النموذج الأوروبي الغربي,فإنه يمكن التوضيح هنا,بأن حركة الإصلاح الديني في المجتمعات الأوروبية,لم تُخرج الدين من السياسة كما يعتقد البعض,بل هي ناصرت باسم الدين ,النظم الملكية التي أُخرجت شعوبها من التمزق الإقطاعي الذي كان مدعوماً من طبقة الإكليروس الكنسيَّة,وبعد تحقق الوحدة القومية,وتقدم البنية التحتية في ظل الوحدة,أخذت القوى الدينية والعلمانية على السواء,تناضل ضد سلطة الحكم المطلق الملكية المستندة إلى شرعية إلهية مزعومة. ولم تخرج السياسة من الدين أيضاً في ظل النظم الدستورية والديمقراطية التي تم الوصول لها مع اضطراد تقدم البنية التحتية والبنية الفوقية الثقافية,إذ نشأت الأحزاب المسيحية الديمقراطية في العديد من البلدان الأوروبية إلى جانب الأحزاب ذات التوجه العلماني غير المنفصل عن الدين. ويمكن الكشف هنا,بأن الرخاء الذي عاشته المجتمعات الأوروبية على حساب الشعوب المفقرة التي تم نهبها,هو ما أشاع مناخ الاعتدال والتسامح بين ظهرانيها,فيما أخذت تصدِّر العنف عن طريق الاستعمار إلى الخارج .كما يمكن التذكير,بأن هذا الاعتدال والتسامح الداخلي,كان ينقلب إلى عنف في مراحل الأزمات الاقتصادية – الاجتماعية,فكان يجري تفريغه في السابق باتجاه الجماعات اليهودية والأقليات الأخرى,مثلما يتم تفريغه في المرحلة الراهنة,باتجاه الجاليات العربية والمسلمة وذلك على خلفية ثقافة تضع الإسلام خارج العصر وخارج منطق العقل. وخلاصة القول,هو أن من يعادون المرجعية الدينية الإسلامية في هذه المرحلة من مراحل نضال الأمة التحرري,هم من يروِّجون لثقافة التكيُّف مع المشروع الاستعماري الصهيوني,ذلك أن عداء هؤلاء ,يمتد إلى نظمٍ وقوى ذات مرجعية قومية علمانية,إذ أنهم لا يعدمون ما يبررون به عداءَهم تجاه تلك النظم والقوى التي تقف في خندق واحد في مواجهة الغزاة إلى جانب التيار الإسلامي المقاوم. وإذ نعقب على رؤية الدكتور الأنصاري فإننا نكتفي بالقول,بأن ما تحتاجه شعوبنا العربية والإسلامية هو فكر تجديدي وعصري ومنفتح بغض النظر عن مرجعيته الإيديولوجية,وإننا إذ نتفهم تعويل الدكتور الأنصاري على دور التيار الإسلامي وفكره المعتدل والتجديدي في هذه المرحلة من تاريخنا,فإننا لا نقبل وصفه للفكر القومي واليساري بالتغريب الخالص, وحصره الأصالة بالمرجعية الإسلامية,مذكرين بأن هناك فارقاً بين الانفتاح على الحضارة الغربية كامتداد للحضارة الإنسانية التي أسهمت في بنائها الحضارة العربية الإسلامية ,وبين الاستلاب تجاه تلك الحضارة ,وذلك ما وقع فيه كتبعية وكردة فعل,أوساط علمانية وإسلامية.

ليست هناك تعليقات: