الاثنين، 21 سبتمبر 2009

فشل ميتشل... رؤية أوباما تتكيف مع ثوابت نتنياهو

الشبكة الاعلامية الفلسطينية-مجال-
orahash@gmail.com



فشل ميتشل... رؤية أوباما تتكيف مع ثوابت نتنياهو

[ 20/09/2009 - 08:59 ص ]

عبداللطيف مهنا







صحيفة الوطن العمانية



ليس ثمة من جدال في كون كافة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بما تسمى "المسيرة السلمية"، أو المنخرطة عملياً بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في العملية التصفوية المنشودة للقضية الفلسطينية، تخضع مواقفها السابقة دائماً للتبدلات اللاحقة عادةً، وتتكيف متراجعة باستمرار مع جديد الموانع أو الاشتراطات وفرض الوقائع الإسرائيلية، بحيث كاد أنه لم يعد هناك من ثابت أو وازع يردع هذا التراجع، أو يضع حداً للتنازلات المتناسلة التي تفتح الشهية الإسرائيلية للمزيد منها.



لعل الاستثناء الوحيد كان دائماً هو الإسرائيلي، فالمواقف هنا، بغض النظر عن من يصبح متربعاً على سدة القرار، تخدم دائماً، وسواء أن هي وضحت أو راوغت أو ناورت أو ضللت، ذات الاستراتيجية الصهيونية، التي جرت العادة على أنها تتحدى من يقول لنا أنها تبدلت أو تغيرت، ومنذ أن وضع لبناتها مؤتمر بازل نهايات القرن الذي سبق المنصرم. إنها هي هي، الاحتلال، وفرض الوقائع التهويدية، وصولاً إلى الترانسفير، أو الوصول إلى تطبيق مقولة أرض بلا شعب لشعب بلا وطن!



لعل آخر عناوين القرار الإسرائيلي هو الآن يتمثل في بنيامين نتنياهو، وآخر مسميات أو صفات من يحكم الآن في فلسطين المحتلة هو اليمين المتطرف، الذي من وسائط عقده أسماء مثل ليبرمان وبن يشاي مثلاً لا حصراً، بيد أنه يصح لنا التساؤل وهل هناك من لا يزال يرى فرقاً، خلا في درجة الوضوح، في جوهر سياسات حكومات تل أبيب المتعاقبة، وبغض النظر عن أشخاصها وتصنيفاتها، يميناً أو يساراً، متطرفاً أو أقل تطرفاً؟ أو هل هناك من يقول إنه قد لاحظ ثمة ما يخرج في "إسرائيل" عن ذات الاستراتيجية المشار إليها أو يتعارض معها؟ أم أن الفارق هنا يظل هو في تباين التكتيكات، وأسلوب المراوغة، وطريقة إدارة المناورات، وصولاً إلى ذات الأهداف الواحدة إياها لدى الجميع لا أكثر!



هنا، قد نقول الكثير، لكن ما يهمنا في هذه العجالة هو التركيز على الراهن الإسرائيلي والأطراف المشاركة في هذه المسماة بالمسيرة السلمية، أو العملية التصفوية الدائرة. أو الطرف الثابت المواقف والأطراف المتحولة مواقفها، ونعني بالأخيرة الفلسطينية المتساوقة مع هذه العملية، والعربية التي اختارت السلام خياراً استراتيجياً وحيداً، والأطراف الدولية التي هي مابين داعم للاحتلال ولدرجة المشاركة، ومتواطء معه، أو مساهم في محاولة فرض نتائجه واستهدافاته عبر هذه المسيرة سيئة الصيت.



قبل بدئها، الذي تلى اتفاقية كامب ديفيد، كان الإسرائيليون يطالبون باعتراف عربي يؤدي للسلام، وعندما بدأت، طُرح شعار "الأرض مقابل السلام"، الذي سحب العرب إلى مدريد، ومن ثم وقع الموقعون اللاحقون اتفاقات سلامهم مع الإسرائيليين، فلم يعد الإسرائيليون يطالبون بالاعتراف، ولم يعد يتمسك بالشعار المدريدي سوى العرب. وعندما وقع فلسطينيو التسوية اتفاقيات أوسلو التي لم ينفذ منها سوى إتاحة دخول مناضلي الأمس قفصها، المسمى سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود أو السلطة التي بلا سلطة و تحت الاحتلال، ازدادت عجلة التهويد وتسارعت حمى بناء المستعمرات، بحيث ابتلعت الجرافات الأرض وأحلام الواهمين في "الدولة" الموهومة، وهوّدت العاصمة التاريخية لفلسطين، وأولى قبلتي المسلمين وأكنافها، بحيث لم يبق من بقعة في القدس لإقامة ولو بلدية وليس عاصمة للدولة العتيدة، وبدأت عملية هدم بيوت المقدسيين و تشريدهم منها، وأصبحت حكاية حل الدولتين، أو أخدوعتها، ضرباً من الخيال الذي يسخر منه الواقع التهويدي السائر قدماً. حتى جاء نتنياهو، لتقطع لاءاته قول كل خطيب.



منذ البدء، وقبل وصوله إلى السلطة كان شعار نتنياهو هو السلام مقابل السلام، بمعنى أنه في غير وارد التنازل عن شبر واحد مما اغتصبه الصهاينة في فلسطين، أو عن كامل ما يدعوه أرض إسرائيل، من النهر إلى البحر، وباختصار، كان الرجل هو الأوضح من بين الساسة المحتلين، ويلاقي ما يساعده على وضوحه الزائد هذا في الظروف الفلسطينية والعربية المنحدرة والمتهالكة، والدولية المنحازة والمتواطئة. بحيث لا يجد من داع لتجشم عناء المناورة و المراوغة، بل يرى أنه حان الوقت المناسب لفرض السياسات وتحقيق الاستهدافات التليدة، الأمر الذي هو قطعاً لن يفعل نقيضه أي سياسي إسرائيلي يكون في محله بغض النظر عن تصنيفه. فنظراً للحال الفلسطيني والواقع العربي والراهن الدولي المشار إليه، ما الذي عساه سوف يدفعه إلى غير ذلك أو يجبره على خلاف ما هو عليه؟!



يقول نتنياهو، أمام لجنة من الكنيست: أنه منذ خطابه في جامعة بار إيلان ذو الاشتراطات المعروفة، و الذي أعلن فيه مفهومه للحل، قد "تغلغلت مبادرته في النقاش الدولي"! و إذ أعاد عرض ما دعا بمخططه لتحقيق السلام، الذي يعد برفع بعض الحواجز، وتسهيل تنقل الفلسطينيين إلى الأردن ومنه... و كلامه المعروف عن الحل الاقتصادي، يفاخر بأنه نجح في جر الأطراف متبدلة المواقف المرنة إلى حيث مبادئه التي يتغلغلون الآن في مناقشتها. فمن وقف الاستعمار إلى تجميده، إلى تعليقه، وأخيراً إلى تقليصه، مقابل التطبيع مع العرب، أو التطبيع مقابل التفاوض، وحيث جاء المبعوث الأميركي الجائل في المنطقة تحول النقاش، أو القضية برمتها، من مسألة احتلال إلى ما يعادل معالجة مشكلة عقارية، ومن هذه تدنى إلى مسألة محاولة إنجاز اللقاء الثلاثي الشكلي في نيويورك المراد أميركياً، لتدشين العملية التفاوضية أو التقاط الصور السلامية، التي قد يعلن فيها أوباما خطته للحل، أو ما غدا هدفاً لميتشل، الذي تنقل من أجله في العواصم العربية لحثها على مساعدته في إقناع رام الله بمزيد من الاستجابة لإملاءات تل أبيب، وليدعوها إلى ما دعتهم إليه هيلاري كلينتون ذات يوم، "للقيام بخطوات ملموسة تساعد على إيجاد أرضية إيجابية لاستئناف المفاوضات"، لينتهي أو تنتهي الجولة بإبلاغ رام الله عن فشله أمام عناد نتنياهو واعداً بالمزيد من العودة إلى محاولاته و مساعيه لاحقاً!



لقد استجاب الأميركان، أو إدارة أوباما، التي كان قد راهن المراهنون على نتائج ضغطها المستحيل، أو غير المنطقي حدوثه بالنسبة للسياسة الأميركية التاريخية والثابتة، على حليفه مثل إسرائيل ومنذ أن كانت، إلى اشتراطات نتنياهو في الجوهر وسعوا إلى إقناع العرب بالاستجابة لها وإن كانوا لم يفصحوا عن هذا علناً. فهم تدرجوا في مواقفهم السابقة من معارضة الاستعمار إلى المطالبة بوقفه، بما في ذلك ما يدعى "النمو الطبيعي"، ومن وقفه إلى تجميده، ومن التجميد إلى التفاوض حول الوحدات المسموح ببنائها، ومن ثم انتهوا إلى الجدل حول إمكانية تقليصه!



لقد قالها نتنياهو بعد عودته الأخيرة من القاهرة، التي ما أن فرغ من تناول الإفطار على مائدتها، وحثّها على الضغط على رام الله، حتى طمأن الإسرائيليين: الأميركان تراجعوا وليس أنا... لا تجميد وإنما الكلام هو فحسب عن تقليص... ولكسب الوقت لا أكثر.



أنه، وعلى ضوء هذا التراجع، يصبح من نافل القول أنه لا أزمة أميركية إسرائيلية كما توهم واهمو الفلسطينيين والعرب، وإنما هي ليست سوى بعض اجتهادات لحليفين قد لا تتطابق، وإن هي شابها اختلاف ما فليس جوهرياً، ولا من شأنه أن يفسد للتحالف الإستراتيجي قضية، وإنما يمكن القول أن هناك أزمة عمل وطني فلسطيني مُدمّرة، وغياب إرادة سياسية عربية أشد تدميراً، تفصحان عن مردود كارثي لحق بقضية فلسطين. ولسنا في حاجة أكثر للقول أنه إن كان من خلاف بين نتنياهو وأوباما فإنه في المحصلة سوف يقوي الأول ويضعف الثاني، ويفصح عن بؤس الواقع العربي وسوء الحال الفلسطينية وبشقيها المساوم والمقاوم معاً... ولعل من المفارقة، أن الإسرائيليين غير راضين عن دور ميتشل ناقل اشتراطاتهم للعرب وإملاءاتهم للفلسطينيين، ويسوءهم عجز الإدارة الأميركية عن فرض سياساتهم كاملةً على عربها وفلسطينييها، بمعنى انتزاع القبول الفلسطيني، وجلب التطبيع العربي.



... وأخيراً، إن كافة مؤشرات الحركة الراهنة بين أطراف المسيرة تقودنا إلى وجوب التوقف أمام ثلاث خطط طرحت أخيراً، أو ما عرف بدولة سلام فياض رئيس حكومة سلطة الحكم الذاتي الإداري تحت الاحتلال الانتقالية، ودولة هآرتس التي تم تسريبها عبر هذه الصحيفة الإسرائيلية، وما يربطهما بثالثتهما المعروفة بمفهوم سلام نتنياهو الاقتصادي، وأخيراً ربط الثلاثة بخطة أوباما المزمع طرحها، كما يقال، بعيد اللقاء الثلاثي المنشود في نيويورك بينه وبين نتنياهو وأبو مازن، أو الذي كان المتوقع في الثاني والعشرين من الشهر الجاري.



لقد طرح فياض، ربما استناداً إلى رؤية أوباما المنتظرة ودعم الاتحاد الأوروبي، برنامجاً وضع له سقفاً زمنياً اتفق مع ما ذكرته خطة هآرتس فيما بعد، أي سنتين، لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية إذا ما وافق نتنياهو على تجميد الاستعمار... خطته التي خلت من مصطلح المقاومة، إذ استبدلها، وفق ما يروج البعض بالاشتباك عبر جبهة التنمية، والتي لا ذكر فيها لحق العودة، وسائر ما يسمى قضايا الحل النهائي، والتي في جوهرها لا تختلف في تفاصيلها مع دولة هآرتس، أي دولة في كانتونات ما تبقى من أشلاء الضفة، أي مع بقاء المستعمرات، وبلا القدس، ومع شطب حق العودة، وتظل إن قامت تحت رحمة الاحتلال، وفي نهاية المطاف تظل مزقها برسم التهويد، وسجناء معتقلاتها الكبيرة تحت طائلة استراتيجية الترانسفير. أو إذا طرحنا مصطلح دولة جانباً، لن تعدو ما سيفضي إلى خطة نتنياهو الاقتصادية للحل... من أسف كل الدلائل تقول أن الأيام القادمة قد تشهد نقلة تصفوية، قد تفضي إلى المزيد من التبدل، أو بالأحرى التراجع تنازلياً في كافة مواقف أطراف المسيرة التسووية المعلنة حتى الآن، وطنياً وقومياً ودولياً، وتنبئ بوادرها سلفاً بأنه سوف لا يكون الثابت الوحيد إلا الإسرائيلي!



كاتب فلسطيني






ليست هناك تعليقات: